قرطاج: لغز كبير لم يبُح بأسراره..طالته سهام السطو والتشويه؟
ما تزال ردود الفعل تتالى حول نتائج الدراسة العلمية الأمريكية التي صدرت مؤخرا، وجاء فيها دحض للرواية التاريخية التي طالما تداولها المؤرخون، والتي كانت تؤكد أن القرطاجيين ينحدرون من الفينيقيين القادمين من بلاد الشام وتحديدا من كنعان.. الدراسة الجينية خلصت إلى أن "القرطاجيين ليسوا فينيقيين" وهو ما يعتقد أنه سيحدث تغييرا جذريا في تاريخ الإمبراطورية القرطاجية.
''القرطاجيون ليسوا فينيقيين''.. ليس الأمر بجديد؟
''هذه الدراسة الجينية ليست الأولى التي تخلص إلى هذا الاستنتاج، فقد سبقتها دراسة في 2010 خلصت إلى النتيجة نفسها رغم اختلاف الطريقة، وهي دراسة لطّفت النتائج حتى ترضي الطرفين'' يؤكد ضيفنا في ''واحد من الناس'' المؤرخ بولبابة النصيري الذي يعدّ من المؤرخين التونسيين الأشدّ دفاعا عن هذه النظرية التاريخية.
''الفينيقي صفة، فلا وجود لدولة أو إمبراطورية فينيقية، الفينيقيون شعوب كانت تتناحر فيما بينها وعُرفت بالتجارة، ولم تكون شعوبا منتجة. في حين كان القرطاجيون منتجين خاصة للزجاج والخزف وذاك ما ورثوه عن القبصييّن، لأن الحضارة القرطاجية هي وريثة الحضارة القبصية'' يؤكد المؤرخ.
''الحضارة القرطاجية تعرّضت للسطو والتشويه''
يُبدي ضيفنا إعجابا وانبهارا شديدين بالحضارة القرطاجية طوال حديثه عنها، انبهار ممزوج بحرقة بادية.
فهو يرى أنها حضارة تعرّض تاريخها للسطو والتشويه، ومازالت لم تنل حظها الذي تستحقه. '' قرطاج كانت حضارة خارجة عن المألوف..وكانت مسيطرة على البحر المتوسط..ونسبتها إلى الفينقيين تجنّ عليها..''. ويتابع المؤرخ ''ثمة رواية رومانية تقول إن القرطاجيين كانوا يحرقون أطفالهم ويقدمونهم قرابين للآلهة، وهذا ما أثبتت الحفريات كذبه. قمنا بالحفر في موقع قرب منطقة قرطاج وعثرنا على مقبرة تحوي جثامين لأطفال، وأثبت التحليل الجيني أنهم إما أجنّة مجهضة أو أطفال فارقوا الحياة متأثرين بأمراض.. وهذا ما دحض الرواية الرومانية التي سعت إلى تشويه قرطاج''.
كما تعرّض المؤرخ بولبابة النصيري إلى السرقات التي طالت الآثار القرطاجية منذ سنوات طويلة وتحديدا منذ فترة الاستعمار الفرنسي، ويؤكد أن عملية تحيّل حدثت وأدت إلى سرقة مئات القطع الأثرية القرطاجية ونقلها إلى متحف ''اللوفر'' وهي قابعة هناك إلى يومنا هذا، على حد تأكيده.
لم تهتم الولايات المتحدة بقرطاج؟
كما تساءل ضيفنا المؤرخ بوبلبانة النصيري متحمّسا "لم تهتم الولايات المتحدة الأمريكية اليوم بتاريخ تونس وتخصّص دراسات كلّفتها آلاف الدولارات للتاريخ القرطاجي؟ ولم أعطت منحا لترميم الآثار القرطاجية في اوتيك وكركوان وحيدرة وسبيطلة؟'' ثم يجيب ''لأن نظام الحكم في الولايات المتحدة هو نظام الحكم القرطاجي بحذافره.. قرطاج كانت تملك أول محكمة دستورية وأول نظام جمهوري في التاريخ..في قرطاج المسنّون يدخلون المعبد ويأكلون مجانا.. قرطاج منعت تعدد الزوجات والاعتداء على النساء...والمرأة القرطاجية كانت تدخل المسارح وتشهد في المحاكم قبل المرأة الرومانية بمئات السنين..'' وتابع مشددا "قرطاج تمتلك لغزا كبيرا.. قدمت للعالم ما لم تقدمه أي حضارة أخرى".
كما اعتبر أن رواية أن "الفينيقيين هم السكان الأصليون لقرطاج" هي رواية مقصودة ويُراد بها تشويه الحضارة القرطاجية وتحقيرها، وأضاف ''المؤرخون التونسيون لم يجتهدوا واعتمدوا مصدرا وحيدا وكتابا وحيدا..رغم أن الدولة التونسية وفرت لهم كل الإمكانيات" على حد تعبيره.
من أسس قرطاج هم ''الباركيون'' وكانوا يعيشون في منطقة سلقطة الساحلية
وأكد في معرض حديثه وتفسيره، أن من أسس قرطاج هم ''الباركيون'' الذين كانوا يعيشون في منطقة سلقطة الساحلية اليوم، ويقول ' سلقطة كانت فيها أول غابة نخيل في المنطقة.. وكان شعار دولتها هو شجرة نخيل.. وعملتها التي عُثر عليها تحمل شعار شجرة نخل أيضا".
كما انتقد ضيفنا الأبحاث التاريخية ونقص الحفريات الكبرى في تونس، قائلا ''فتح قبور قديمة ليس حفريات كبرى.. كميات أمطار قليلة قادرة على فعل ذلك''. وتابع ''فما 400 عام مخفيين من تاريخ قرطاج..''. وأضاف "فما 14 موقع قرطاجي معترف بيهم.. في حين هي أكثر بكثير..عنا مواقع أثرية موجودة في أراضي مصنفة فلاحية" !
ودعا المؤرخ زملاءه من المؤرخين إلى الوحدة والاصطفاف من أجل تصحيح تاريخ قرطاج، قائلا "لنتخل عن خلافاتنا ولنجلس لكتابة تاريخنا الصحيح معا.. قرطاج سقطت بسبب الخيانات..'' .
أمل الهذيلي